تعتبر الهوية التجارية أحد أهم الأصول غير الملموسة بالنسبة للمؤسسات، ويمكن أن نعرف الهوية التجارية – حسب عالم التسويق كيفن كيلر – أنها مجموع نقاط التماس والتجارب والمشاعر بين المؤسسة والجمهور. ورغم أننا نعيش الهوية التجارية كل يوم من حولنا، إلا أنها لم تستغل بعد بشكل كامل من قبل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

وفي رسالتي للماجستير والتي حملت عنوان (دور الهوية التجارية في إزدهار قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بسلطنة عمان)، لاحظت أيضا بأن جانب البحث الأكاديمي في مجال الهوية التجارية وريادة الأعمال غير مفعل بشكل كبير، حيث تنصب معظم الدراسات والبحوث حول مفاهيم وممارسات ونظريات الهوية التجارية للمؤسسات الكبرى. ورغم شح الدراسات في هذا المجال إلا أن هنالك بعض المفاهيم والنظريات التي تم تأسيسها، أرى من وجهة نظري أن أهمها هو الإرتباط الوثيق والتأثير المتبادل بين خصائص الهوية للمؤسسة الصغيرة وخصائص الهوية لرائد الأعمال (أو مديرها أحيانا)، وذلك يدعو رائد الأعمال للإنتباه إلى صورته بين الجمهور وأن يضع في عين الإعتبار طريقة حديثه وتفاعله مع محيطه لأن ذلك قد يؤثر سلبا أو إيجابا على سمعة مؤسسته.

كما يتضح خلال البحث مصطلح (الهوية التجارية العَرَضية Accidental Branding) وهو أن تتأسس أو تبنى الهوية التجارية بشكل تلقائي دون أن ينتبه رائد الأعمال إلى أنه يقوم بممارسات لبناءها، ويحدث ذلك غالبا مع رواد الأعمال الذين ينتبهون للتفاصيل ويسعون إلى الكمال ويتجنبون التقليد ويضعون أنفسهم مكان الزبائن ويتحلون بالصبر والعزيمة ويصنعون قصص نجاح تروى ويكنون الوفاء تجاه الأشخاص الذين ساعدوهم في الوصول للقمة.

أما فيما يختص بممارسات الحكومات في مجال تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر الهوية التجارية فهنالك أمثلة من بريطانيا وماليزيا وتايوان، حيث خصصت المؤسسة الحكومية التي تعنى بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة سابقا والتي كانت تعرف بـ BusinessLink قسما خاصا في موقعها الإلكتروني يحتوي نصائح وإرشادات حول الهوية التجارية إلا أنه كان محصورا في الجانب النظري ولم يدعم بالجانب التطبيقي. أما في ماليزيا فقد بذلت الحكومة جهودا في تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر التسويق والهوية التجارية، إلا أنها شكلت قضايا معقدة لفترة طويلة امتدت قرابة عقدين من الزمن.

أما المثال الناجح فكان في تايوان التي نجحت في تطبيق برامج بمستوى عالٍ من أجل تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في بناء الهوية التجارية. وقبل أن تشرع الحكومة التايوانية في ذلك، قامت بتأسيس إستراتيجيات متكاملة من أجل تعزيز صورة المنتج التايواني وترويجها على أنها (منتجات مبتكرة ذات قيمة عالية Innovalue). كما قامت الحكومة أيضا بوضع بعض المعايير والإرشادات حول بناء الهوية التجارية بالإضافة إلى برامج قروض خاصة لتمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من بناء الهوية التجارية الخاصة بها. كما أسست الحكومة منصة لتطوير الهوية التجارية والتي تقدم إستشاراتها في المجالات القانونية والمالية والإدارية للهوية التجارية، بالإضافة إلى موقع إلكتروني بمحتوى يختص ببناء الهوية التجارية.